سورة يس - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} أي: دلالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم {إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ}.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} أعطاكم الله {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ} أنرزق {مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مكة: أنفقوا على المساكين مما زعمتم من أموالكم أنه لله، وهو ما جعلوا لله من حروثهم وأنعامهم، قالوا: أنطعم أنرزق من لو يشاء الله رزقه، ثم لم يرزقه مع قدرته عليه، فنحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله، وهذا مما يتمسك به البخلاء، يقولون: لا نعطي من حرمه الله. وهذا الذي يزعمون باطل؛ لأن الله أغنى بعض الخلق وأفقر بعضهم ابتلاء، فمنع الدنيا من الفقير لا بخلا وأمر الغني بالإنفاق لا حاجة إلى ماله، ولكن ليبلو الغني بالفقير فيما فرض له في مال الغني، ولا اعتراض لأحد على مشيئة الله وحكمه في خلقه {إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} يقول الكفار للمؤمنين: ما أنتم إلا في خطأ بين في اتباعكم محمدا صلى الله عليه وسلم وترك ما نحن عليه.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} أي: القيامة والبعث {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
قال الله تعالى: {مَا يَنْظُرُونَ} أي: ما ينتظرون {إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً} قال ابن عباس: يريد النفخة الأولى {تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} يعني: يختصمون في أمر الدنيا من البيع والشراء، ويتكلمون في المجالس والأسواق.
قرأ حمزة: {يخصمون} بسكون الخاء وتخفيف الصاد، أي: يغلب بعضهم بعضا بالخصام، وقرأ الآخرون بتشديد الصاد، أي: يختصمون. أدغمت التاء في الصاد، ثم ابن كثير ويعقوب وورش يفتحون الخاء بنقل حركة التاء المدغمة إليها، ويجزمها أبو جعفر وقالون ويروم فتحة الخاء أبو عمرو، وقرأ الباقون بكسر الخاء.
وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد رفع الرجل أكلته إلى فيه فلا يطعمها».


قوله عز وجل: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} أي: لا يقدرون على الإيصاء. قال مقاتل: عجلوا عن الوصية فماتوا {وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} ينقلبون، والمعنى أن الساعة لا تمهلهم لشيء. {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} وهي النفخة الأخيرة نفخة البعث، وبين النفختين أربعون سنة {فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ} يعني: القبور واحدها: جدث {إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} يخرجون من القبور أحياء، ومنه قيل للولد: نسل لخروجه من بطن أمه.
{قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} قال أبي بن كعب، وابن عباس، وقتادة: إنما يقولون هذا لأن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بعد النفخة الأخيرة وعاينوا القيامة دعوا بالويل.
وقال أهل المعاني: إن الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار عذاب القبر في جنبها كالنوم، فقالوا: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا؟ ثم قالوا: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} أقروا حين لم ينفعهم الإقرار. وقيل: قالت الملائكة لهم: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون}.
قال مجاهد: يقول الكفار: {من بعثنا من مرقدنا}؟ فيقول المؤمنون: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون}. {إِنْ كَانَتْ} ما كانت {إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً} يعني: النفخة الآخرة {فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}.


{فاليومَ لا تُظلمُ نفسٌ شيئًا ولا تُجزونَ إلا ما كنتم تعملون}.
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ} قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {في شغل}، بسكون الغين، والباقون بضمها، وهما لغتان مثل السُّحْت والسُّحُت.
واختلفوا في معنى الشغل، قال ابن عباس: في افتضاض الأبكار، وقال وكيع بن الجراح: في السماع.
وقال الكلبي: في شغل عن أهل النار وعما هم فيه لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم.
وقال الحسن: شغلوا بما في الجنة من النعيم عما فيه أهل النار من العذاب.
وقال ابن كيسان: في زيارة بعضهم بعضا. وقيل: في ضيافة الله تعالى.
{فَاكِهُون} قرأ أبو جعفر: {فكهون} حيث كان، وافقه حفص في المطففين؛ وهما لغتان مثل: الحاذر والحذر أي: ناعمون. قال: مجاهد والضحاك: معجبون بما هم فيه. وعن ابن عباس قال: فرحون.
{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ} أي: حلائلهم {فِي ظِلالٍ} قرأ حمزة والكسائي: {ظلل} بضم الظاء من غير ألف جمع ظله وقرأ العامة: {في ظلال} بالألف وكسر الظاء على جمع ظل {عَلَى الأرَائِكِ} يعني السرر في الحجال، واحدتها: أريكة. قال ثعلب: لا تكون أريكة حتى يكون عليها حجلة {مُتَّكِئُون} ذوو اتكاء.
{لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} يتمنون ويشتهون.
{سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} أي: يسلم الله عليهم قولا أي: يقول الله لهم قولا.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن، حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى الملحمي الأصفهاني، أخبرنا الحسن بن أبي علي الزعفراني، أخبرنا ابن أبي الشوارب، أخبرنا أبو عاصم العباداني، أخبرنا الفضل الرقاشي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب عز وجل قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، فذلك قوله: {سلام قولا من رب رحيم} فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم».
وقيل: تسلم عليهم الملائكة من ربهم.
قال مقاتل: تدخل الملائكة على أهل الجنة من كل باب يقولون: سلام عليكم يا أهل الجنة من ربكم الرحيم.
وقيل: يعطيهم السلامة، يقول: اسلموا السلامة الأبدية.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8